تشهد أجهزة التصوير الشعاعي الطبية رواجا متزايدا رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، وحتى الآن تظل الطريقة القديمة للمسح بأجهزة الأشعة السينية (أشعة إكس) معتمدة من قبل الأطباء الذين يدققون في أفلام تصوير الصدر، أو العظام المكسورة، أو أمراض الرئة.
إلا أن الأطباء الإخصائيين في الأشعة ـ الذين يتخصصون في تشخيص الحالات بعد دراستهم الصور الطبية ـ تتوافر لديهم اليوم وسائل كثيرة للنظر في أعماق جسم الإنسان.
فالتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging (MRI، يقدم صورا رائعة للدماغ، والعمود الفقري، والأنسجة الطرية التي تقع حول المفاصل.
أما التصوير المقطعي بانبعاثات (أشعة) البوزيترون (Positron emission tomography (PET، فيعتبر وسيلة ناشئة لرصد السرطان ولأي خلل أو تشوهات في المخ.
كما تضاعف تقريبا عدد المسوحات السنوية التي تجرى بواسطة الأشعة المقطعية (Computed tomography (CT، منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، وهو يبلغ الآن 60 مليون مسح في السنة.
فن التشخيص
لقد دفعت تقنيات التصوير هذه كلها «فن التشخيص» إلى مراحل أعلى في جوانبه الموضوعية، بعد أن زادت من سرعة التشخيص ودقته.
كما أنها تؤدي أحيانا إلى الاقتصاد في النفقات، فقد أظهرت دراسة في مستشفى ماساشوستس العام التابع لجامعة هارفارد على سبيل المثال، أن المسح بالأشعة المقطعية للشرايين التاجية للأشخاص الذين أدخلوا في حالات إسعافية وهم يعانون من آلام في الصدر، قد يقود ـ مع الفحوصات الأخرى ـ إلى التأكد من أن آلامهم لم تنجم عن مرض في تلك الشرايين، ولذا يمكن إرسالهم إلى بيوتهم، بدلا من إدخالهم المستشفى وزيادة نفقات المستشفى.
إلا أن وجهة النظر الشائعة، خارج القطاع الطبي وداخله، تشير إلى أن نفقات الرعاية الصحية الأميركية قد خرجت عن حدودها، حيث إنه، ووفقا لبعض التقديرات، نحو 30 في المائة من المسوحات بالأشعة كانت غير ضرورية.
وإن كان ذلك صحيحا حقا فإن بمقدور الأطباء الاقتصاد بمليارات الدولارات بالتوقف عن إجراء بعضها.
إلا أن المشكلة تظل تحوم حول كيفية تقليص أعداد المسوحات من دون التأثير على التشخيص، وعلى مستوى تقديم الرعاية الصحية.
مخاوف الإشعاع
إن زيادة إجراء المسوحات بالأشعة المقطعية ليست مسألة مالية فحسب، بل إنها تتسبب أيضا في تعريض الجسم إلى الإشعاع كما هو الحال مع الأشعة السينية، والإشعاع قد يقود إلى حدوث السرطان.
وقد قدر باحثون في جامعة كولومبيا عام 2007، أن نحو 2 في المائة من كل أنواع السرطان ـ أي ما يقرب من 29 ألف إصابة سرطانية سنويا ـ يمكن أن تعزى إلى الإشعاعات من أجهزة المسح بالأشعة المقطعية، إلا أن هذه تظل تقديرات مستندة إلى عدد كبير من الافتراضات، التي لا تزال تثير جدالا واسعا.
ومع ذلك فلا يوجد أدنى شك في أن تقليل الإشعاع، حيثما كان ذلك ممكنا، يمثل خطوة ذكية وحصيفة.
ولذلك فقد أخذ بعض إخصائيي الأشعة في العمل على إيجاد توازن بين نوعية الصور وبين مقدار التعرض للإشعاع، إلا أن الجرعات القليلة من الإشعاع تقود إلى صور سيئة. ولكن وفي بعض الأحيان فإن تقليل عدد الصور قد يكون كافيا لإجراء التشخيص الدقيق، وتصمم أجهزة المسح بالأشعة المقطعية بتقنيات متطورة تسمح لمستخدميها تركيز المسح، وتكييفه مع حجم المريض.
ويواصل الدكتوران آرون سوديكسون ورامين خراساني في مستشفى بريغهام والنساء التابع لهارفارد، عملهما في برنامج طموح لتأمين السلامة من الإشعاع.
وهما يقومان بالتعاون مع باحثين في مركز التصوير المستند إلى البراهين في المستشفى، على وضع قاعدة بيانات حول الإشعاع المتراكم لدى المرضى الذين يخضعون للمسح بالأشعة داخل المستشفى.
وسوف يستخدمان هذه البيانات لتطوير «أداة لدعم القرارات» تحذر الأطباء عبر الكومبيوتر ـ مثلا بظهور نافذة صغيرة على الشاشة ـ عندما يطلبون إجراء تصوير بالأشعة المقطعية لمريض تراكمت لديه جرعات متتالية من الإشعاع بعد خضوعه سابقا لعمليات التصوير.
وكما يلاحظ الدكتور سوديكسون فإن خطر الإصابة بالسرطان الناجم عن الأشعة المقطعية لا يظهر بشكل متساوٍ لدى الجميع، ولذلك فإن إحدى الوسائل الفعالة لخفض خطر السرطان تتمثل في التركيز على عدد صغير من الأشخاص الذين تعرضوا أكثر من غيرهم إلى عشرات المسوحات بالأشعة المقطعية.
حرب الطبقات
ومثل الأشعة السينية، فإن التصوير بالأشعة المقطعية «CT» يتطلب إرسال إشعاع عبر الجسم لالتقاط صور لتركيباته الداخلية، وتقوم الأنسجة الكثيفة فيه، مثل العظام، بمنع الأشعة أو إضعافها، ولذلك فإنها تبدو بيضاء في صور المسح، كما هو الحال عند تصويرها بالأشعة السينية.
إلا أن جهاز الأشعة المقطعية، وبدلا من التقاطه لصورة واحدة من الفيلم في أثناء توجيه جرعة واحدة من الإشعاع، فإنه يخلق في وقت واحد الكثير من صور المقاطع.
وهو يقوم بذلك لدى إدارته للأدوات الباعثة للأشعة ـ والمجسات التي تستشعرها ـ حول جسم المريض، ويقوم الكومبيوتر بجمع المعلومات من هذه الكاشفات، في صور رقمية، يمكن تكييفها بحيث يمكن رؤية أجزاء الجسم في مقطعها من زوايا مختلفة أو في شكلها المجسم.
وقد صمم أول جهاز للأشعة المقطعية في السبعينات من القرن الماضي، ولهذا فإن هذه الأجهزة ليست جديدة، ولكن، وفي نهاية التسعينات من القرن الماضي، دخل المهندسون في «حرب الطبقات» مع ظهور أجهزة جديدة صممت بعدد أكبر من الكاشفات بحيث أصبح بالإمكان تصوير مقاطع رقيقة أقل سمكا من أجزاء الجسم.
وازدياد عدد الكاشفات يعني أن بمقدورها التقاط عدد أكثر من المقاطع خلال فترة إرسال جرعة واحدة من الإشعاع، ولذلك فلم يزدد وضوح الصور فحسب (لأن المقاطع أصبحت أقل سمكا)، بل وازدادت سرعة الحصول عليها.
وأضحت المسوحات التي كانت تحتاج إلى 20 دقيقة في الماضي، لا تحتاج إلى أكثر من 5 دقائق فقط، كما ازداد عدد الخاضعين للمسوحات، وكما هوا الحال مع آلات التصوير (الكاميرات) التي تسارعت فيها سرعة فتح العدسة فيها، نجحت هذه الأجهزة المصممة بكاشفات كثيرة في التقاط صور أوضح لأجزاء الجسم المتحركة.
وسائل طبية أساسية
وقد حولت سرعة المسح بالأشعة المقطعية أجهزتها إلى أدوات أساسية في طب الطوارئ والإسعاف، وفي ميدان طب التصوير عموما، وفي الولايات المتحدة تستقبل أقسام الطوارئ نحو 100 مليون حالة سنويا، 30 في المائة منها تخضع لعمليات التصوير بالأشعة المقطعية.
وقد حلت «المسوحات الشاملة» للرأس والرقبة والصدر والبطن ومنطقة الحوض للمصابين بأضرار جسدية، محل المسح المتعدد للمناطق بواسطة الأشعة السينية.
ويكشف التصوير بالأشعة المقطعية بسرعة عن حالة نزف مثلا في دماغ شخص تعرض إلى سكتة دماغية.
كما يمكن للأشعة المقطعية، مع استخدام عوامل تحقن في الوريد لإظهار التباين بين المناطق (وهي أصباغ يدخل اليودين في تركيبها لزيادة التباين داخل الصورة)، أن ترصد الخثرة الرئوية الخطيرة التي وصلت إلى الرئتين. كما تستخدم أيضا لتشخيص تشقق الأورطي، وتشقق بطانة هذا الشريان الكبير الذي يخرج من القلب ليغذي باقي أجزاء الجسم بالدم.
إلا أن الانفجار الحاصل في دراسات التصوير ليس واحدا من المسائل البسيطة الناتجة عن تقدم الطب، ففي الولايات المتحدة يوجد أكثر من 10 آلاف جهاز للمسح بالأشعة المقطعية.
وهذه الأجهزة غالية الثمن ـ إذ قد تزيد كلفة الجهاز الواحد للأشعة المقطعية عن مليون دولار، أما كلفة المرنان المغناطيسي فهي أكثر ـ ولذلك وعندما تقتني في مستشفى أو عيادة ما واحدا من هذه الأجهزة فإن هناك حاجة ملحة لاستخدامه بكثرة.
وقد طرح فريق من باحثي جامعتي ستانفورد وهارفارد تقديرات تشير إلى أن إضافة جهاز جديد للأشعة المقطعية في المدينة تؤدي إلى إجراء أكثر من 2200 مسح إضافي بها للمرضى.
ويكلف كل مسح بهذه الأجهزة عدة مئات من الدولارات، ولذلك فإن استخدامها يزيد تكاليف العلاج.
التعرض للإشعاع
التعرض للإشعاع من أجهزة المسح بالأشعة المقطعية عالٍ، مقارنة بفحوصات التصوير الأخرى.
فالرنين المغناطيسي الذي يعمل على مبدأ مختلف تماما (مجال مغناطيسي قوي وموجات راديوية)، لا توجد فيه أي أشعة مؤينة.
وتزيد جرعة الإشعاع الفعالة الناتجة عن إجراء عملية تصوير واحدة بالأشعة المقطعية للصدر، بنحو 100 مرة عن جرعة الأشعة السينية القياسية، وبنحو 20 مرة عن جرعة الإشعاع في أثناء تصوير الثدي (الماموغرام).
وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الناجين من القنابل الذرية الأميركية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945 أن خطر حدوث السرطان من الإشعاع يقابل 10 عمليات مسح بالأشعة المقطعية لكل الجسم، إلا أن هناك شكوكا كثيرة حول حدوث هذا الخطر لدى الأشخاص الذين يخضعون لعدد أقل من المسوحات.
ويعتبر العمر هنا عاملا متغيرا، فالأطفال يتعرضون أكثر لتأثيرات الإشعاع لأنهم في مرحلة النمو وتتكاثر لديهم الخلايا، كما أنهم يعيشون لسنوات أكثر، ولذلك فهناك فرصة أكبر لنمو السرطان.
وفيما يعتبر الخطر من عملية واحدة أو عمليتين للمسح بالأشعة المقطعية ضئيلا جدا، فإن عددا من الدراسات وجدت أن عددا كبيرا من أقلية ضئيلة من الناس من الذين يجرى لهم المسح بالأشعة المقطعية يخضعون له مرارا وتكرارا.
فالأشخاص المصابون بمرض كرون (التهاب في القناة الهضمية) والمعانين من حصى الكلية مثلا، يخضعون لعدد كبير من عمليات المسح المتكرر.
في عام 2008 أعلن الدكتور سوديكسون وزملاؤه نتائج دراسة شملت كل شخص خضع لمسح بالأشعة المقطعية في مستشفى بريغهام والنساء عام 2007، بلغ عددهم الإجمالي نحو 31 ألف شخص.
وعندما دقق الفريق العلمي في تاريخ خضوعهم للمسوحات ظهر أن 1500 منهم (5 في المائة) خضعوا لـ23 مسحا أو أكثر بالأشعة المقطعية خلال السنوات الـ22 الأخيرة، و300 آخرين خضعوا لأكثر من 38 مسحا.
وعندما أخذ الفريق بنظر الاعتبار عوامل العمر والجنس وأجزاء الجسم، والتعرض للإشعاع، فقد توصل إلى تقديرات بأن نحو 2300 شخص (7 في المائة) استلموا جرعات من الإشعاع من الأشعة المقطعية تكفي لزيادة خطر السرطان لديهم بنسبة 1 في المائة أكثر من مستوى الخطر الأساسي في الولايات المتحدة، وهو 42 في المائة.
ومستوى الخطر الأساسي هو النسبة المئوية من السكان الذين سيظهر لديهم السرطان في أي فترة من حياتهم.
تغيرات وتطورات
إن بمقدور التقدم التقني تخفيض التعرض للإشعاع الناتج عن المسح بالأشعة المقطعية، وتتطور تقنيات المسح وأجهزته، فعلى سبيل المثال فإن التطويرات حول الكيفية التي سينفذ فيها تصوير الصدر بالأشعة المقطعية ستؤدي إلى خفض الإشعاعات الأمامية التي تهدد الأنسجة المريضة للصدر، عبر توجيه قسم من الإشعاعات نحو الظهر.
كما يمكن لعمليات المسح نفسها أن تتحسن، وقد قام الدكتور سوديكسون مع أطباء قسم الطوارئ بتغيير البروتوكول الخاص بتصوير تشقق الأورطي.
والآن تستخدم جرعات أقل من الإشعاع للكشف عن الأورطي لدى الذين شخصوا بمرضه، وهكذا فقد تم خفض الإشعاع هنا بنسبة 75 في المائة، إلا أن توجهات استخدام المسح بالأشعة المقطعية تحتاج إلى مراجعة أيضا، فقد شجع الكثير من الأطباء المرضى على استخدام أجهزتها.
وهذه الأجهزة هي أدوات طبية عظيمة، إلا أن كلفتها وخطر تأثيرات الإشعاع الناجم عنها يعنيان أن من الضروري التأني في استخدامها.
إلا أن الأطباء الإخصائيين في الأشعة ـ الذين يتخصصون في تشخيص الحالات بعد دراستهم الصور الطبية ـ تتوافر لديهم اليوم وسائل كثيرة للنظر في أعماق جسم الإنسان.
فالتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging (MRI، يقدم صورا رائعة للدماغ، والعمود الفقري، والأنسجة الطرية التي تقع حول المفاصل.
أما التصوير المقطعي بانبعاثات (أشعة) البوزيترون (Positron emission tomography (PET، فيعتبر وسيلة ناشئة لرصد السرطان ولأي خلل أو تشوهات في المخ.
كما تضاعف تقريبا عدد المسوحات السنوية التي تجرى بواسطة الأشعة المقطعية (Computed tomography (CT، منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، وهو يبلغ الآن 60 مليون مسح في السنة.
فن التشخيص
لقد دفعت تقنيات التصوير هذه كلها «فن التشخيص» إلى مراحل أعلى في جوانبه الموضوعية، بعد أن زادت من سرعة التشخيص ودقته.
كما أنها تؤدي أحيانا إلى الاقتصاد في النفقات، فقد أظهرت دراسة في مستشفى ماساشوستس العام التابع لجامعة هارفارد على سبيل المثال، أن المسح بالأشعة المقطعية للشرايين التاجية للأشخاص الذين أدخلوا في حالات إسعافية وهم يعانون من آلام في الصدر، قد يقود ـ مع الفحوصات الأخرى ـ إلى التأكد من أن آلامهم لم تنجم عن مرض في تلك الشرايين، ولذا يمكن إرسالهم إلى بيوتهم، بدلا من إدخالهم المستشفى وزيادة نفقات المستشفى.
إلا أن وجهة النظر الشائعة، خارج القطاع الطبي وداخله، تشير إلى أن نفقات الرعاية الصحية الأميركية قد خرجت عن حدودها، حيث إنه، ووفقا لبعض التقديرات، نحو 30 في المائة من المسوحات بالأشعة كانت غير ضرورية.
وإن كان ذلك صحيحا حقا فإن بمقدور الأطباء الاقتصاد بمليارات الدولارات بالتوقف عن إجراء بعضها.
إلا أن المشكلة تظل تحوم حول كيفية تقليص أعداد المسوحات من دون التأثير على التشخيص، وعلى مستوى تقديم الرعاية الصحية.
مخاوف الإشعاع
إن زيادة إجراء المسوحات بالأشعة المقطعية ليست مسألة مالية فحسب، بل إنها تتسبب أيضا في تعريض الجسم إلى الإشعاع كما هو الحال مع الأشعة السينية، والإشعاع قد يقود إلى حدوث السرطان.
وقد قدر باحثون في جامعة كولومبيا عام 2007، أن نحو 2 في المائة من كل أنواع السرطان ـ أي ما يقرب من 29 ألف إصابة سرطانية سنويا ـ يمكن أن تعزى إلى الإشعاعات من أجهزة المسح بالأشعة المقطعية، إلا أن هذه تظل تقديرات مستندة إلى عدد كبير من الافتراضات، التي لا تزال تثير جدالا واسعا.
ومع ذلك فلا يوجد أدنى شك في أن تقليل الإشعاع، حيثما كان ذلك ممكنا، يمثل خطوة ذكية وحصيفة.
ولذلك فقد أخذ بعض إخصائيي الأشعة في العمل على إيجاد توازن بين نوعية الصور وبين مقدار التعرض للإشعاع، إلا أن الجرعات القليلة من الإشعاع تقود إلى صور سيئة. ولكن وفي بعض الأحيان فإن تقليل عدد الصور قد يكون كافيا لإجراء التشخيص الدقيق، وتصمم أجهزة المسح بالأشعة المقطعية بتقنيات متطورة تسمح لمستخدميها تركيز المسح، وتكييفه مع حجم المريض.
ويواصل الدكتوران آرون سوديكسون ورامين خراساني في مستشفى بريغهام والنساء التابع لهارفارد، عملهما في برنامج طموح لتأمين السلامة من الإشعاع.
وهما يقومان بالتعاون مع باحثين في مركز التصوير المستند إلى البراهين في المستشفى، على وضع قاعدة بيانات حول الإشعاع المتراكم لدى المرضى الذين يخضعون للمسح بالأشعة داخل المستشفى.
وسوف يستخدمان هذه البيانات لتطوير «أداة لدعم القرارات» تحذر الأطباء عبر الكومبيوتر ـ مثلا بظهور نافذة صغيرة على الشاشة ـ عندما يطلبون إجراء تصوير بالأشعة المقطعية لمريض تراكمت لديه جرعات متتالية من الإشعاع بعد خضوعه سابقا لعمليات التصوير.
وكما يلاحظ الدكتور سوديكسون فإن خطر الإصابة بالسرطان الناجم عن الأشعة المقطعية لا يظهر بشكل متساوٍ لدى الجميع، ولذلك فإن إحدى الوسائل الفعالة لخفض خطر السرطان تتمثل في التركيز على عدد صغير من الأشخاص الذين تعرضوا أكثر من غيرهم إلى عشرات المسوحات بالأشعة المقطعية.
حرب الطبقات
ومثل الأشعة السينية، فإن التصوير بالأشعة المقطعية «CT» يتطلب إرسال إشعاع عبر الجسم لالتقاط صور لتركيباته الداخلية، وتقوم الأنسجة الكثيفة فيه، مثل العظام، بمنع الأشعة أو إضعافها، ولذلك فإنها تبدو بيضاء في صور المسح، كما هو الحال عند تصويرها بالأشعة السينية.
إلا أن جهاز الأشعة المقطعية، وبدلا من التقاطه لصورة واحدة من الفيلم في أثناء توجيه جرعة واحدة من الإشعاع، فإنه يخلق في وقت واحد الكثير من صور المقاطع.
وهو يقوم بذلك لدى إدارته للأدوات الباعثة للأشعة ـ والمجسات التي تستشعرها ـ حول جسم المريض، ويقوم الكومبيوتر بجمع المعلومات من هذه الكاشفات، في صور رقمية، يمكن تكييفها بحيث يمكن رؤية أجزاء الجسم في مقطعها من زوايا مختلفة أو في شكلها المجسم.
وقد صمم أول جهاز للأشعة المقطعية في السبعينات من القرن الماضي، ولهذا فإن هذه الأجهزة ليست جديدة، ولكن، وفي نهاية التسعينات من القرن الماضي، دخل المهندسون في «حرب الطبقات» مع ظهور أجهزة جديدة صممت بعدد أكبر من الكاشفات بحيث أصبح بالإمكان تصوير مقاطع رقيقة أقل سمكا من أجزاء الجسم.
وازدياد عدد الكاشفات يعني أن بمقدورها التقاط عدد أكثر من المقاطع خلال فترة إرسال جرعة واحدة من الإشعاع، ولذلك فلم يزدد وضوح الصور فحسب (لأن المقاطع أصبحت أقل سمكا)، بل وازدادت سرعة الحصول عليها.
وأضحت المسوحات التي كانت تحتاج إلى 20 دقيقة في الماضي، لا تحتاج إلى أكثر من 5 دقائق فقط، كما ازداد عدد الخاضعين للمسوحات، وكما هوا الحال مع آلات التصوير (الكاميرات) التي تسارعت فيها سرعة فتح العدسة فيها، نجحت هذه الأجهزة المصممة بكاشفات كثيرة في التقاط صور أوضح لأجزاء الجسم المتحركة.
وسائل طبية أساسية
وقد حولت سرعة المسح بالأشعة المقطعية أجهزتها إلى أدوات أساسية في طب الطوارئ والإسعاف، وفي ميدان طب التصوير عموما، وفي الولايات المتحدة تستقبل أقسام الطوارئ نحو 100 مليون حالة سنويا، 30 في المائة منها تخضع لعمليات التصوير بالأشعة المقطعية.
وقد حلت «المسوحات الشاملة» للرأس والرقبة والصدر والبطن ومنطقة الحوض للمصابين بأضرار جسدية، محل المسح المتعدد للمناطق بواسطة الأشعة السينية.
ويكشف التصوير بالأشعة المقطعية بسرعة عن حالة نزف مثلا في دماغ شخص تعرض إلى سكتة دماغية.
كما يمكن للأشعة المقطعية، مع استخدام عوامل تحقن في الوريد لإظهار التباين بين المناطق (وهي أصباغ يدخل اليودين في تركيبها لزيادة التباين داخل الصورة)، أن ترصد الخثرة الرئوية الخطيرة التي وصلت إلى الرئتين. كما تستخدم أيضا لتشخيص تشقق الأورطي، وتشقق بطانة هذا الشريان الكبير الذي يخرج من القلب ليغذي باقي أجزاء الجسم بالدم.
إلا أن الانفجار الحاصل في دراسات التصوير ليس واحدا من المسائل البسيطة الناتجة عن تقدم الطب، ففي الولايات المتحدة يوجد أكثر من 10 آلاف جهاز للمسح بالأشعة المقطعية.
وهذه الأجهزة غالية الثمن ـ إذ قد تزيد كلفة الجهاز الواحد للأشعة المقطعية عن مليون دولار، أما كلفة المرنان المغناطيسي فهي أكثر ـ ولذلك وعندما تقتني في مستشفى أو عيادة ما واحدا من هذه الأجهزة فإن هناك حاجة ملحة لاستخدامه بكثرة.
وقد طرح فريق من باحثي جامعتي ستانفورد وهارفارد تقديرات تشير إلى أن إضافة جهاز جديد للأشعة المقطعية في المدينة تؤدي إلى إجراء أكثر من 2200 مسح إضافي بها للمرضى.
ويكلف كل مسح بهذه الأجهزة عدة مئات من الدولارات، ولذلك فإن استخدامها يزيد تكاليف العلاج.
التعرض للإشعاع
التعرض للإشعاع من أجهزة المسح بالأشعة المقطعية عالٍ، مقارنة بفحوصات التصوير الأخرى.
فالرنين المغناطيسي الذي يعمل على مبدأ مختلف تماما (مجال مغناطيسي قوي وموجات راديوية)، لا توجد فيه أي أشعة مؤينة.
وتزيد جرعة الإشعاع الفعالة الناتجة عن إجراء عملية تصوير واحدة بالأشعة المقطعية للصدر، بنحو 100 مرة عن جرعة الأشعة السينية القياسية، وبنحو 20 مرة عن جرعة الإشعاع في أثناء تصوير الثدي (الماموغرام).
وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الناجين من القنابل الذرية الأميركية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945 أن خطر حدوث السرطان من الإشعاع يقابل 10 عمليات مسح بالأشعة المقطعية لكل الجسم، إلا أن هناك شكوكا كثيرة حول حدوث هذا الخطر لدى الأشخاص الذين يخضعون لعدد أقل من المسوحات.
ويعتبر العمر هنا عاملا متغيرا، فالأطفال يتعرضون أكثر لتأثيرات الإشعاع لأنهم في مرحلة النمو وتتكاثر لديهم الخلايا، كما أنهم يعيشون لسنوات أكثر، ولذلك فهناك فرصة أكبر لنمو السرطان.
وفيما يعتبر الخطر من عملية واحدة أو عمليتين للمسح بالأشعة المقطعية ضئيلا جدا، فإن عددا من الدراسات وجدت أن عددا كبيرا من أقلية ضئيلة من الناس من الذين يجرى لهم المسح بالأشعة المقطعية يخضعون له مرارا وتكرارا.
فالأشخاص المصابون بمرض كرون (التهاب في القناة الهضمية) والمعانين من حصى الكلية مثلا، يخضعون لعدد كبير من عمليات المسح المتكرر.
في عام 2008 أعلن الدكتور سوديكسون وزملاؤه نتائج دراسة شملت كل شخص خضع لمسح بالأشعة المقطعية في مستشفى بريغهام والنساء عام 2007، بلغ عددهم الإجمالي نحو 31 ألف شخص.
وعندما دقق الفريق العلمي في تاريخ خضوعهم للمسوحات ظهر أن 1500 منهم (5 في المائة) خضعوا لـ23 مسحا أو أكثر بالأشعة المقطعية خلال السنوات الـ22 الأخيرة، و300 آخرين خضعوا لأكثر من 38 مسحا.
وعندما أخذ الفريق بنظر الاعتبار عوامل العمر والجنس وأجزاء الجسم، والتعرض للإشعاع، فقد توصل إلى تقديرات بأن نحو 2300 شخص (7 في المائة) استلموا جرعات من الإشعاع من الأشعة المقطعية تكفي لزيادة خطر السرطان لديهم بنسبة 1 في المائة أكثر من مستوى الخطر الأساسي في الولايات المتحدة، وهو 42 في المائة.
ومستوى الخطر الأساسي هو النسبة المئوية من السكان الذين سيظهر لديهم السرطان في أي فترة من حياتهم.
تغيرات وتطورات
إن بمقدور التقدم التقني تخفيض التعرض للإشعاع الناتج عن المسح بالأشعة المقطعية، وتتطور تقنيات المسح وأجهزته، فعلى سبيل المثال فإن التطويرات حول الكيفية التي سينفذ فيها تصوير الصدر بالأشعة المقطعية ستؤدي إلى خفض الإشعاعات الأمامية التي تهدد الأنسجة المريضة للصدر، عبر توجيه قسم من الإشعاعات نحو الظهر.
كما يمكن لعمليات المسح نفسها أن تتحسن، وقد قام الدكتور سوديكسون مع أطباء قسم الطوارئ بتغيير البروتوكول الخاص بتصوير تشقق الأورطي.
والآن تستخدم جرعات أقل من الإشعاع للكشف عن الأورطي لدى الذين شخصوا بمرضه، وهكذا فقد تم خفض الإشعاع هنا بنسبة 75 في المائة، إلا أن توجهات استخدام المسح بالأشعة المقطعية تحتاج إلى مراجعة أيضا، فقد شجع الكثير من الأطباء المرضى على استخدام أجهزتها.
وهذه الأجهزة هي أدوات طبية عظيمة، إلا أن كلفتها وخطر تأثيرات الإشعاع الناجم عنها يعنيان أن من الضروري التأني في استخدامها.